لا أزعم أنّي مستمع بارع وملمّ بالكثير مما صدر في ماضي الفن أو حديثه، لكن بإمكاني تمييز الجمال بمجرد ملامسته لأذني.
مرّت الأغنية العربية بكثيرٍ من التقلبات من الواضح أننا لا نعرف جلّها إنّما نستطيع أن نلحظ ذلك فيما وصلنا في آخر 100 عام من عمرالأغنية وصولا إلى لحظتنا الراهنة.
وبحكم علاقتي بالشعر كانت الكلمة تشدّني على حساب الموسيقى وربّما بسبب ذلك فاتني خيرٌ موسيقيٌّ كثيرحتى استطعت مؤخرا الموازنةبين تذوق الموسيقى واهتمامي بالشعر.
لكن تراودني أحيانا لحظات انفصام عما يدور داخل الأغنية والتركيز على كلمة أو جملة بعينها قد أعيش معها لحظات وساعات وأيام أكررهاوأتأملها وأفكر بالطريق الذي تسللت معه إلى قلب كاتبها واتخذت موضعها بأناقة الأميرات بين كلماته.
الأغاني مليئة بالكلام الجميل لكنّها تعاني من ندرة في الكلام الشاعريّ (ولن أستطيع شرح الفرق بينهما لأنه يُحس وهذه مهارة لا أدّعيها ولاأنكرها) وربّما لا تكون ندرةً بل تقصيرٌ منّي في الاستماع لأغانٍ لم أكتشفها بعد.
كنتُ أشعر بالشاعرية تنساب بسلاسة في أغاني فيروز وفي كل مرة أستمع فيها لها أكاد أن أجزم أن الشعر هو ما تغنّيه فيروز وليسالكلام الموزون المقفّى وهذا تعريفٌ اتُّهِمَ به الشعر وهو منه براء وإن كان يحمل وجها مشوها للحقيقة.
وخليجيا منذ مدةٍ تتبعت الشعر في الأغاني من وجهة نظرٍ شخصية وأعتقد أنّي وجدت ضالتي بين بدرين (بدر بن عبدالمحسن)و(بدربورسلي) ففي كل مرة استمعت فيها لأغنية ولفتت سمعي كلمة أو جملة وجدتها لا تحيد عن أحدهما ليس على مستوى الشاعرية فحسب بلحتى في أسلوب توظيف الكلمات وأحيانا مزج كلمة فصيحة في سياقٍ شعبيّ أو عاميّ بكل سلاسة وبرأيي هي مهارةٌ عليا لا تؤتى لكلشاعر فدائما ما أنسى أغنية (اعترفلك للفنان الراحل عبدالكريم عبدالقادر) حين تسرقني كلمة (بما فيه الكفاية) عندما يقول (بدر بورسلي)(تعلمت يكفي ما تعلمت..وتألمت بما فيه الكفاية)
أو جملة (بدر بن عبدالمحسن) (جيتي من النسيان) في أغنية (محمد عبده صوتك يناديني)
وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
هذه الملاحظة قادتني لملاحظةٍ أخرى وتساؤلٍ يلحّ عليّ هل هذه المهارة مرتبطة بكلّ من هو بدر؟
وفي زحمة التفكير أطلّ عليَّ البدر الأكبر (بدر شاكر السياب) يبدو لي أن كل شاعرٍ بدريّ عبؤه أثقل من سواه من الشعراء فقد اقتسم الاسمثلاثة من كبار الشعراء في عصرنا الحالي.
بدر بن عبدالمحسن / بدر بورسلي / بدر شاكر السياب
هذه المقالة لا تنفي شاعريةً في الكثير من الأغاني العربية لكنها تنحاز لبدرين أنارا الأغنية ومنحاها فضاءً شعريا بطريقتهما الخاصة.
طارق الصميلي